سورة طه - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


قوله تعالى: {فتنازعوا أمرهم بينهم} أي تناظروا وتشاوروا، يعني السحرة في أمر موسى سراً من فرعون وقالوا إن غلبنا موسى اتبعناه، معناه لما قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً. قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر {وأسروا النجوى} أي المناجاة {قالوا} قال بعضهم لبعض سراً {إن هذان لساحران} يعني موسى وهارون {يريدان أن يخرجاكم من أرضكم} يعني من مصر {بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} قال ابن عباس: يعني بسراة قومكم وأشرافكم وقيل معناه يصرفان وجوه الناس عنكم، وقيل أراد أهل طريقتكم المثلى وهم بنو إسرائيل يعني يريد أن يذهبا بهم لأنفسهما، وقيل معناه يذهبا بسنتكم وبدينكم الذي أنتم عليه {فأجمعوا كيدكم} أي لا تدعو شيئاً من كيدكم إلا جئتم به، وقيل معناه اعزموا كلكم على كيده مجتمعين له ولا تختلفوا فيختل أمركم {ثم ائتوا صفاً} أي جمعاً مصطفين ليكون أشد لهيبتكم وقيل معناه ثم ائتوا المكان الموعود به {وقد أفلح اليوم من استعلى} أي فاز من غلب.


{قالوا} يعني السحرة {يا موسى إما أن تلقي} أي عصاك {وإما أن نكون أول من ألقى} أي عصينا {قال} يعني موسى {بل ألقوا} يعني أنتم أولاً {فإذا حبالهم} فيه إضمار أي فألقوا فإذا حبالهم {وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} قيل إنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس، فرأى موسى كأن الأرض امتلأت حيات وكانت قد أخذت ميلاً في ميل من كل جانب ورآها كأنها تسعى {فأوجس} أي أضمر وقيل وجد {في نفسه خيفة موسى} قيل هو طبع البشرية وذلك أنه ظن أنها تقصده، وقيل خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعوه {قلنا لا تخف} أي قال الله تعالى لموسى لا تخف {إنك أنت الأعلى} أي الغالب عليهم ولك الغلبة عليهم والظفر {وألق ما في يمينك} أي عصاك والمعنى لا يخيفنك كثرة حبالهم وعصيهم فإن في يمينك شيئاً أعظم منها كلها {تلقف} أي تلقم وتبتلع {ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر} أي حيلة ساحر {ولا يفلح الساحر حيث أتى} أي من الأرض.
وقال ابن عباس لا يسعد حيث كان {فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى} قال صاحب الكشاف سبحان الله ما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود فما أعظم الفرق بين الإلقائين. وقيل إنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وقيل إنهم لما سجدوا أراهم الله تعالى في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة {قال} يعني فرعون {آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم} أي لرئيسكم وعظيمكم يعني أنه أسحركم وأعلاكم في صناعة السحر ومعلمكم {الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} يعني أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى {ولأصلبنكم في جذوع النخل} يعني على جذوع النخل {ولتعلمن أينا أشد عذاباً} يعني على إيمانكم به أنا أو رب موسى على ترك الإيمان به {وأبقى} يعني أدوم {قالوا} يعني السحرة {لن نؤثرك} يعني لن نختارك {على ما جاءنا من البينات} يعني الدلالات الواضحات، قيل هي اليد البيضاء والعصا وقيل كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحر فأين حبالنا وعصينا. وقيل إنهم لما سجدوا رأوا الجنة والنار ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات {والذي فطرنا} قيل هو قسم، وقيل معناه لن نؤثرك على الله الذي فطرنا {فاقض ما أنت قاض} يعني فاصنع ما أنت صانع {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} يعني إنما أمرك وسلطانك في الدنيا سيزول عن قريب {إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر} فإن قلت كيف قالوا هذا وقد جاؤوا مختارين غير مكرهين.
قلت كان فرعون أكرههم في الابتداء على تعلمهم السحر لكي لا يذهب أصله. وقيل كانت السحرة اثنين وسبعون اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل، وكان فرعون أكره الذين هم من بني إسرائيل على تعلم السحر. وقيل قال السحرة لفرعون أرنا موسى إذا هو نام فأراهم موسى نائماً وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون هذا ليس بساحر إن الساحر إذا نام بطل سحره. فأبى عليهم فأكرههم على أن يعملوا فذلك قولهم وما أكرهتنا عليه من السحر {والله خير وأبقى} يعني خير منك ثواباً وأبقى عقاباً وقيل خير منك إن أطيع وأبقى عذاباً إن عصي وهذا جواب لقوله: {ولتعلمن أينا اشد عذاباً وأبقى} {إنه من يأت ربه مجرماً} قيل هذا ابتداء كلام من الله تعالى وقيل هو من تمام قول السحرة معناه من مات على الشرك {فإن له جهنم لا يموت فيها} فيستريح {ولا يحيى} حياة ينتفع بها {من يأته مؤمناً} يعني من مات على الإيمان {قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى} يعني الرفيعة العلية.


فسر الدرجات بقوله: {جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فهيا وذلك جزاء من تزكى} يعني تطهر من الذنوب، وقيل أعطى زكاة نفسه وقال لا إله إلا الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما» أخرجه الترمذي. قوله وأنعما يقال أحسن فلان إلى فلان وأنعم يعني أفضل وزاد في الإحسان، والمعنى أنهما منهم وزادوا تناهياً إلى غايته.
قوله تعالى: {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي} يعني أسر بهم ليلاً من أرض مصر {فاضرب لهم طريقاً} يعني اجعل لهم طريقاً {في البحر} بالضرب بالعصا {يبساً} يعني يابساً ليس فيه ماء ولا طين وذلك أن الله تعالى أيبس لهم الطريق في البحر {لا تخاف دركاً ولا تخشى} يعني لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى أن يغرقك البحر أمامك {فأتبعهم} يعني فلحقهم {فرعون بجنوده فغشيهم} يعني أصابهم {من اليم ما غشيهم} وهو الغرق وقيل علاهم وسترهم من اليم ما لم يعلم كنهه إلا الله تعالى فغرق فرعون وجنوده ونجا موسى وقومه {وأضل فرعون قومه وما هدى} يعني وما أرشدهم وهو تكذيب لفرعون في قوله: {وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} قوله عز وجل: {يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى} ذكرهم الله النعمة في نجاتهم وهلاك عدوهم وفيما وعد موسى من المناجاة بجانب الطور وكتب التوراة في الألواح. وإنما قال وواعدناكم لأنها اتصلت بهم حيث كانت لنبيهم، ورجعت منافعها إليهم وبها قوام دينهم وشريعتهم وفيها أفاض الله عليهم من سائر نعمه وأرزاقه {كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه} قال ابن عباس لا تظلموا، وقيل لا تكفروا النعمة فتكونوا طاغين، وقيل لا تتقووا بنعمتي على المعاصي، وقيل لا تدخروا {فيجعل عليكم غضبي} يعني يجب عليكم غضبي {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} يعني هلك وسقط في النار {وإني لغفار لمن تاب} قال ابن عباس تاب عن الشرك {وآمن} يعني وحد الله وصدق رسوله {وعمل صالحاً} يعني أدى الفرائض {ثم اهتدى} قال ابن عباس علم أن ذلك توفيق من الله تعالى، وقيل لزم الإسلام حتى مات عليه، وقيل علم أن لذلك ثواباً، وقيل أقام على السنة. قوله عز وجل: {وما أعجبك} يعني وما حملك على العجلة {عن قومك يا موسى} وذلك أن موسى اختار من قومه سبعين رجلاً يذهبو معه إلى الطور ليأخذوا التوراة. فسار بهم ثم عدل موسى من بينهم شوقاً إلى ربه، وخلف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل فقال الله له وما أعجلك عن قومك يا موسى؟ فأجاب ربه ف {قال هم أولاء على أثري} أي هم بالقرب مني يأتون على أثري من بعدي.
فإن قلت لم يطابق السؤال الجواب فإنه سأله عن سبب العجلة فعدل عن الجواب، فقال هم أولاء بأنه لم يوجد منه إلا تقدم سيره ثم أعقبه بجواب السؤال فقال {وعجلت إليك رب لترضى} أي لتزداد رضاً {قال فإنا قد فتنا قومك} أي فإنا ابتلينا الذين خلفتهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف فافتتنوا بالعجل غير اثني عشر الفاً {من بعدك} أي من بعد انطلاقك إلى الجبل {وأضلهم السامري} أي دعاهم وصرفهم إلى الضلال وهو عبادة العجل، وإنما أضاف الضلال إلى السامري لأنهم ضلوا بسببه وقيل إن جميع المنشآت تضاف إلى منشئها في الظاهر، وإن كان الموجد لها في الأصل هو الله تعالى فذلك قوله هنا وأضلهم السامري، قيل كان السامري من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها السامرة، وقيل كان من القبط وكان جاراً لموسى وآمن به، وقيل كان علجاً من علوج كرمان رفع إلى مصر وكان من قوم يعبد ون البقر {فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً} أي حزيناً جزعاً {قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً} أي صدقاً يعطيكم التوراة {أفطال عليكم العهد} أي مدة مفارقتي إياكم {أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم} أي أردتم أن تفعلوا فعلاً يجب عليكم الغضب من ربكم بسببه {فأخلفتم موعدي} يعني ما وعدوه من الإقامة على دينه إلى أن يرجع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5